كانت متزوجه
بدا الحلم يتلاشا شيئًا فشيئًا ليتجسد في الواقع الذي أمامها
ماذا يجري أيعقل!!
إنه ذاك النسر زوجي يتصارع مع هذا الكلب وابنتاي هما الحمامتان لابد أنه زوجي فمالذي سيأتي بنسرٍ في هذه الانحاء وفي هذا الوقت لقد صدق الحلم بل لم يكن حلمًا يا إلهي
تجمدت مكانها من الخوف وأخذت رجلاها بالارتجاف الشديد وتحشرج حلقها حتى لم تعد قادرة على النطق وبدت أطرافها بالتنمل
حاولت الصراخ ولكن لم يخرج من فمها غير هواءٍ بارد
كانت المعركة ضاريةً جدًا
أخذ النسر يطير عاليًا ويهوي على الكلب بمخالبه الحادة في حين كان الكلب يحاول إمساك النسر ولكنه كان يصده بجناحيه القويين إلى أن فطن الكلب لوجود الحمامتين فانطلق باتجاههما مسرعًا
أصيبت عشتار بذعر شديد حين رأت الكلب يتجه لابنتيها فانبثقت طاقة كامنةٌ بداخلها سرت في جميع أنحاء جسمها ولو لم يتحرك جسمها لمشت روحها تاركةً ذاك الجسم المتحنط انطلقت لاشعوريًا خارج المنزل تحمل رجلاها غريزة الأم
قفز الكلب باتجاه الحمامتين وكاد ان يحكم قبضتيه عليهما إلا أن النسر هب عليه مسرعًا واصطدم به وهوى الاثنان يتدحرجان على الأرض
أومأ النسر للحمامتين بالهرب وسرعان ماطارتا مبتعدتين في هذا اللحظة كان الكلب جاثيًا فوق النسر الذي أخذ منقاره الحاد يخترق صدر الكلب بقوة
حاول الكلب تفادي الضربات وفي نفس الوقت إحكام قبضتيه على النسر إلا أن النسر استطاع الإفلات ولكن كان هذا من سوء حظه
لأن الكلب قبض على رقبة النسر بفكيه الحادين وطرحه أرضًا مرةً أخرى
أخذ يهز النسر هزًا شديدًا من رقبته وكان واضحا أن قوى النسر بدأت تخور وأوشك على الهلاك إذ لم يعد يتحرك أبدًا
فجأةً وإذا بحجر صغير مترردد هوى على رأس الكلب
تلته صرخةٌ من عشتار: يكفي اتركه يكفي
أفلت الكلب النسر من فكيه وقفز على عشتار وطرحها أرضًا
ماكان من عشتار إلا أن تسمرت أرضًا والكلب فوقها وهي تنظر في عينيه بهلع شديد
هم الكلب بأن ينهشها لكن حدث شيء عجيب
حين نظر الكلب لعيني عشتار تسمر مكانه هو الآخر.. لحظات حتى هدأ الكلب وابتعد عدة خطوات ملتقطًا أنفاسه وقال: ماتكوني أيتها الإنسية.. عيناك سحرٌ رهيب أصابني بارتعاش لاعجب بأن أمير الجن وقع في حبك وأجزم بأنك ساحرة خطيرة
قال هذه الكلمات وولى هاربًا
لم تستوعب عشتار ماحدث أيعقل أنها استطاعت إخافة جني!!
نهضت مسرعة باتجاه النسر الذي كان فاقدًا للوعي وينزف دمًا
“حبيبي جلجامش أرجوك تماسك لاتمت” ودموع عيناها سالت فوق خديها
وضعت رأسها على صدر النسر تتحسس نبض قلبه وكان هنالك نبضٌ لكن ضعيف
” يا إلهي ماذا يحدث لي”
شقت خرقةً من ثوبها ولفت بها رقبته لإيقاف النزيف وهي تبكي وتفكر مالعمل إذ إن ظل الحال على ماهو سيموت لامحالة لأن الجرح عميق جدًا
أخذت تفكر بسرعة لدرجة أنها لم تعد قادرة على كبح جماح عقلها
هل آخذه للمستشفى.. ماذا علي أن افعل..
تذكرت..
لقد قرأت في إحدى كتب الجن أن الجني إذا أصيب بجرحٍ في عالم الإنس لايلتأم جرحه إلا إذا عاد لهيئته الطبيعيه وحتى يعود لهيئته الطبيعية لابد له أن يعود لأرض الجن
إن صدق ماقرأت كيف يعود وهو فاقد الوعي وإن ظل هكذا سيموت لامحالة
حملته ووقفت تهم أن تدخل به المنزل تارةً وتارةً أخرى تهم أن تخرج به وهي تحضنه باكيةً: تماسك ياحبيبي أرجوك يا إلهي مالعمل
توقفت في منتصف الحديقة وكأن فكرةً قد لمعت في عقلها
تذكرت رسالته الأخيرة حين فارقها حين كتب
“كنتِ دائما تمشطين شعرك وتتمرجحين عند شجرة التفاح في حديقتكم وكنت انا مشغوفا بالتفاح كثيرا اذ كنت اتسلل من ارضنا عبر هذه الشجرة”
أنزلته على أرض الحديقة واتجهت باتجاه الشجرة كيف كان يتسلل ياترى
هل من الممكن أن يوجد طريق من هذه الشجرة يؤدي لأرض الجن
أخذت تدور حول الشجرة وتبحث في أرجاء المكان إلى أن انتبهت لجحر صغير اسفل الشجرة
ركضت إلى الجهة الأخرى من الحديقة وجاءت بمعول وأخذت تحفر وتحفر وكانت المفاجأة أن نضح ممر سري تحت الأرض لاتعلم إلى أين يؤدي
“ماذا أفعل إنه من الجنون أن ادخل هذا الممر المخيف ومايخيف أكثر أنه يؤدي لأرض الجن ولكن هل أترك زوجي يموت وهو الذي ضحا بنفسه لإنقاذي
هل أترك حبيبي عشيقي نور عيني أبو ابنتاي لابد أن اضحي مهما كانت النتائج كما ضحا هو”
بسرعة حملته واتجهت للنفق ولكنه عادت مرة أخرى لسبب ما حملت كيسًا كان ملقًا على أرض الحديقة لجمع أوراق الشجر المتساقطة وانقضت على خلية النحل التي كان معلقة فوق الشجرة لاتدري لماذا ولكنها قد تكون وسيلة دفاع لوتعرضت لهجوم ما
مشت داخل النفق وهي تدعوا وتتمنى أن يكون في عينيها سحر ما.. كما قال ذلك الوحش
لأنه قد يكون الشيء الوحيد الذي سيخرجها على قيد الحياة
مع أن النفق كان تحت الأرض ولاتوجد إضاءة أونار إلا أن الممر كان مضيئا بنور أحمر خافت لاتعلم أين مصدره
مشت مايقارب النصف ساعة حتى تشققت قدميها وأعياها التعب إذ كان النسر ثقيلا
إلا أن وصلت لنهاية النفق
وجدت بابًا خشبيًا كبيرًا تنام تحته أفعى عملاقة
تجمدت مكانها مخافة إيقاظها
” يا إلهي ماذا أفعل وأنا محصورةٌ في هذا القبر”
أيقنت انه لابد من استخدام خلية النحل ولو ان استخدامها عد مبكرًا جدًا
بسرعه أدخلت يدها في الكيس ورمت الخلية بقوة على الأفعى واختبأت خلف صخرةٍ كبيرة حاضنتًا زوجها وهي تبكي بصمت
هاج النحل علئ الأفعى بشراسة محاولًا لدغها ولكن دون فائدة إذ كان جلدها متينًا ولدغات النحل لاتؤثر فيه علاوة علئ ذلك كان الأفعى تتدحرج بسرعة لكن لحسن الحظ أصيبت الأفعى أخيرًا في عينيها وأخذت تضرب نفسها في جدار الكهف
المكان يهتز
عشتار تهتز
قلبها يهتز
لكن زوجها دافئ
أخيرًا اختبأت الافعى في جحرها
خرجت عشتار بسرعة وفتحت الباب
لم تخف من تنتبه لها الأفعى
لم تهمها لدغات النحل
كل ماكانت تريده هو أن تنجح الخطة ولابد لها من أن تنجح
خرجت أخيرًا بنشوة انتصار وخوف مستقبل
لتجد نفسها امام شاطئ بحري ساكن وبارد مع ان الجو كان صيفًا
اخذت تمشي بقلق وخطواتٍ بطيئة الى ان وصلت للشاطئ
وجدت جسرًا صغير طوله خمسة امتار تقريبا مربوط به ثلاثة قوارب صغيرة
قارب بني وقاربان احمران
ورجل عجوز بثوبٍ مهترئ جالسٌ على الجسر يصطاد السمك
قال العجوز دون أن يلتفت: اشم رائحة امرأة
نظرت عشتار اليه بخوف وقالت: أين نحن ياعم
العجوز ببرود: بل قولي أين أنا، فأنا اعرف مكاني اما انت فلا
احتارت عشتار ماذا تقول ولكنها احست بالإطمئنان قليلًا
العجوز: هل انت ذاهبةٌ لأرض الجن
عاد الخوف لعشتار مرةً أخرى وقالت متوجسةً: كيف عرفت!!!
العجوز: هه لا أحد يأتي هنا.. إلا إذا كان ذاهبًا هناك
حتى تصلي هناك عليك ان تستقلي إحدى هذه القوارب ولكن حذارٍ يجب عليك الاختيار بحكمة
عشتار: ألا تخاف على نفسك من هذا المكان إذ يبدو أنه مهجور وقد يأتي جنٌ في أي لحظة
العجوز: لايهمني من يأتي طالما أنه سيدفع أجرة القارب
عشتار: لكني لا أحمل مالًا
العجوز: لا أتقاضى بالمال بل بالمقايضة
عشتار: ليس عندي ما أقايضه
العجوز: أشم رائحة عسل ويبدو انه لذيذ
لحسن حظ عشتار ان الكيس لازال بحوزتها نظرت بداخله واذا به قليلٌ من العسل
عشتار: قليلٌ من العسل هو كل ما أملك
العجوز: لابأس به
اعطنيه واختاري لك قاربا بحذر
عشتار: إن كنت سأحتار بين الاحمران سأختار البني
العجوز: فتاة حكيمة جدفي بالقارب الى ان تصلي للضباب وعندها لا حاجة للتجذيف فالضياع سيأخذك الى أرض الجن
عشتار برجفة: ألن تقلني الى هناك فأنا لا أجيد التجديف
العجوز: هه تطلبين الكثير مقابل لعقة عسل
اذهبي قبل ان تذوب حلاوته من فمي
ادركت عشتار انه لافائدة من أضاعت الوقت
وقالت: الى اي جهة علي ان اجدف
العجوز: لاتوجد جهات هنا فقط جدفي
نزلت دمعةٌ من عيني عشتار ولكنها استجمعت قواها ووضعت النسر في القارب وهمت تحاول دفع القارب لعرض البحر ولكن دون جدوى إذ كان ثقيلًا على جسدها الناعم
نزلت دمعةٌ أخرى
قالت: هلا تساعدني أرجوك
العجوز: آه ماذا جاء بك الى هنا
كادت ان تشرح له بحماس إلا أنه قاطعها: لا أريد أن اعرف اصعدي
صعدت عشتار القارب بخضوع ونهض الرجل العجوز ورفع ثوبه مخرجًا رجله
وكانت المفاجأة!!!
رجل حمار!!!
انتفضت عشتار بنسرها لنهاية القارب
ضحك العجوز وضرب قعر القارب برجله فثقبه ثم دفعه لعرض البحر وهو يضحك
كان هذا هو “الشق” وهو فصيلة من الجن
نصف انسان ونصف حيوان يتعرض للمسافر ان كان وحده
أصيبت عشتار بانهيار شديد وأحست ببرودة شديدة في جسمها
وسرعان ماستوعبت ان الماء بدأ يتسلل داخل القارب ببطء
استجمعت قواها ماسحةً دموع عينيها وامسكت بالمجداف الذي من حسن الحظ كان مقعرًا كالمعول فكانت تارةً تخرج الماء من القارب وتارةً أخرى تقوم بالتجديف
ظلت مايقارب ساعةً كاملة على هذا المنوال لاتكفأ عن العمل كآلة
إلى أن أحاط بها الضباب أخيرًا
وأحست أن القارب غدا يسبح لوحده
استندت بظهر القارب بعد عناءٍ شديد تلتقط أنفاسها وهي ممسكةً المجداف تخرج الماء ببطء وحضنت النسر لصدرها
ثم أخذت تبكي
أين أنا ماذا جنيت على نفسي
جن
كهف
أفعى
بحر وضباب
مجهول في لامكان
ونسرٌ لا أعلم إن كان زوجي حقًا
حضنته وأحست بدفئه وتذكرت تلك الليالي التي كانت تضع رأس زوجها على صدرها
إنه ذات الدفء
ياحبيبي تمسك بالحياة جيدًا لاتتركني
فأنت املي الوحيد في الحياة
وانا لن اتركك إما أن نحيا جميعا أونموت جميعا
زاد الضباب حتى لم تعد ترى أي شيء
وزادت البرودة
وأحست بالنعاس
فانسل المجداف من يدها شيئًا فشيئًا واحتضنت زوجه متمسكتًا بدفئه جيدًا
ووصل مستوى الماء مايقارب ثلث